فلسطين أون لاين

بين التزام المقاومة وتصعيد الاحتلال...

تقرير هل فقدت واشنطن مصداقيَّتها بصفتها وسيطًا لوقف الحرب؟

...
هل فقدت واشنطن مصداقيَّتها بصفتها وسيطًا لوقف الحرب؟
غزة-واشنطن/ محمد الأيوبي:

في الوقت الذي تواصل المقاومة الفلسطينية التزامها ببنود خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة، تصعد قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتها الميدانية، ضاربةً عرض الحائط بكل ما تضمنه الاتفاق من تفاهمات إنسانية وسياسية. ومع كل خرقٍ جديد، تتجه الأنظار نحو واشنطن، التي تكتفي بالتحذير اللفظي، في حين تواصل توفير الغطاء السياسي والعسكري لـ(تل أبيب).

هذا التناقض في السلوك الأمريكي يثير تساؤلات متزايدة: هل واشنطن عاجزة فعلاً عن كبح الاحتلال، أم أنها شريك في استمرار العدوان تحت شعار "إدارة الصراع"؟ وبينما يصفها البعض بـ"الوسيط غير النزيه"، يرى آخرون أن الإدارة الأمريكية تمارس دوراً مزدوجاً، تسعى من خلاله إلى حفظ هيبة خطتها السياسية دون المساس بحرية (إسرائيل).

ومنذ سريان اتفاق وقف حرب الإبادة في العاشر من أكتوبر الجاري، وثق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أكثر من 80 خرقا إسرائيليا حتى مساء الأحد الماضي، ما أسفر عن استشهاد 97 فلسطينيا وإصابة أكثر من 230 آخرين.

خلافات شكلية

الباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن د. حسن منيمنة يعتقد أن صياغة "خطة وقف إطلاق النار" جرت وفق الأسلوب الثابت الذي تعتمده الولايات المتحدة و(إسرائيل) في مثل هذه الاتفاقات، وهو "نحصل على ما نريد فورًا، ثم ننظر في تقديم المقابل كما نراه مناسبًا"، مشيرًا إلى أن الطرفين يحتفظان بحق تعديل أو إلغاء المقايضة متى رأيا أن الظروف تسمح بذلك.

وقال منيمنة لصحيفة "فلسطين"، إن من الخطأ اعتبار الولايات المتحدة ملتزمة بإرغام (إسرائيل) على تنفيذ بنود الاتفاق، ليس فقط لأن هذه البنود حمالة أوجه وقابلة للتأويل، ولا لأنها صيغت بالتوافق مع (إسرائيل) فحسب، بل لأن هناك توافقًا راسخًا بين واشنطن و(تل أبيب) حول الأهداف الجوهرية للخطة، رغم بعض الاختلافات الشكلية في التفاصيل.

وأوضح أن أول هذه الاختلافات الشكلية يتمثل في ترتيب أولوية إطلاق سراح الرهائن، فبالنسبة لواشنطن يُعد الأمر بالغ الأهمية لأن هيبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تعهد بتحقيق الإفراج، على المحك، بينما ترى (إسرائيل) في تأخير الإفراج فائدة تكتيكية تتيح مزيدًا من التبرير للتوحش الميداني، لافتًا إلى أنه فور تحقيق الإفراج كان لا بد من الانتقال إلى موضوع الجثامين.

أما الاختلاف الثاني، بحسب منيمنة، فيكمن في تأطير الفعل والمصلحة؛ إذ تفضل واشنطن المضي بالحرب مع الادعاء بالسعي نحو السلام لتنفيس الغضب الدولي والإحراج العربي، بينما يفضّل بعض صُنّاع القرار في (تل أبيب) المجاهرة باستمرار الحرب لأسباب داخلية. ومع ذلك، يؤكد أن الجانبين متفقان على استكمال الحرب، والقضاء على حركة حماس، وإنهاء القضية الفلسطينية نهائيًا، وصولًا إلى السيطرة على قطاع غزة، وهو هدف يتطلب، كما قال، "الصبر والنفس الطويل".

وبين أن الإدارة الأمريكية فشلت في إيجاد طرف مستعد لاستقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين على الفور، فاضطرت مع (إسرائيل) إلى الركون لمنطق "الهجرة الطوعية"، أي الاضطرارية من أجل البقاء، عبر التأزيم المقصود لأسباب الحياة في القطاع والضفة الغربية بشكل تدريجي.

ويرى منيمنة أن الواقع الراهن، رغم الادعاءات الكاذبة بأن "فجر السلام قد بزغ"، ليس سوى استمرار للحرب تحت مسمى الهدنة والسلام، بتوافق أمريكي إسرائيلي متين. وأضاف أن الأطراف العربية والدولية تدرك هذا الواقع لكنها تتحرك ضمن هامش ترقب ضيق؛ فبعضها يأمل في تباين محتمل بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي قد يسمح بتحقيق بعض المصلحة الفلسطينية، وبعضها الآخر يجاري "الكذب" على أمل انتهاء المأساة بأي شكل، فيما هناك من يفضّل انتصارًا إسرائيليًا كاملًا.

وعن الواقع الميداني، أشار إلى أنه رغم انفتاح الخزينة الأمريكية بالكامل أمام (إسرائيل) وتزويدها بالعتاد والذخائر دون قيود، وضمان الغطاء الدبلوماسي الكامل، فإن (إسرائيل) بعد عامين من القتل والتدمير لم تتمكن من هزيمة حماس. واعتبر أن ذلك لا يعني تخلي (إسرائيل) أو الولايات المتحدة عن هدف القضاء على الحركة، بل انتقالهما إلى أسلوب مغاير يقوم على ادعاء (السلام) والدفع بمسار التطبيع قدماً، لإقناع العالم بأن الإصرار الأمريكي الإسرائيلي على تحقيق الانتصار في هذه الحرب ثابت وحاسم.

وشدد منيمنة على أن الجواب الحقيقي على هذه المزاعم يوجد في غزة، في صمودها وعزتها وكرامتها وإصرارها على تأكيد الحق، معتبرًا أن طلب (إسرائيل) من حماس البحث عن جثامين القتلى الإسرائيليين بينما تستمر في قتل المدنيين الغزيين، "فعل إذلال متعمد". وقال: "إن لم ينفع ذلك في تحقير الغزاويين، حاشاهم، فهو يفيد في إقناع الجمهور الإسرائيلي والعالمي بأن حياة الجندي الإسرائيلي، حتى بعد مقتله، أعلى قيمة من حياة الأحياء في القطاع"، مضيفًا: "العار ليس على الفجار، بل على فاقدي الحشمة مما عداهم".

توظيف الاتفاق

من جانبه، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، د. فوز جرجس، رأى أن الإدارة الأمريكية تبدو أكثر حرصًا هذه المرة على استمرار الاتفاق، لأن وقف إطلاق النار يمثل مشروعًا سياسيًا شخصيًا للرئيس ترامب، الذي يتباهى بأنه "حقق أهم إنجاز سلام في الشرق الأوسط منذ قرن"، على حد تعبيره.

وأوضح جربس أن "ترامب يريد توظيف الاتفاق لتعزيز صورته الدولية، وتهيئة المناخ لتطبيع أوسع بين (إسرائيل) والدول العربية، إلى جانب ممارسة ضغط إضافي على إيران، ونزع سلاح حركات المقاومة في المنطقة”.

وأشار الى أن الهدف الرئيسي من زيارة الوفد الأمريكي إلى (إسرائيل)، والذي يضم نائب الرئيس الأمريكي "جيه دي فانس" والمستشارين "جارد كوشنر" و"ستيف ويتكوف"، هو محاولة نتنياهو من تقويض اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأوضح أن زيارة الوفد جاءت في وقتٍ كشفت فيه صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أن الإدارة تخشى من أن نتنياهو يحاول فعليًا الخروج من الاتفاق والعودة إلى مربع الحرب، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تمثل محاولة أمريكية لمراقبة تنفيذ الاتفاق وضمان الانتقال إلى المرحلة الثانية منه، بعد أن رصدت واشنطن، وفق معلومات استخبارية، نوايا إسرائيلية لنسف التفاهمات.

وفي ما يتعلق بالحديث عن نزع سلاح حماس، قال جرجس إن "الولايات المتحدة تدرك أن هذا هدف شبه مستحيل، لأن حماس ليست مجرد تنظيم عسكري بل حركة اجتماعية متجذرة في النسيج الفلسطيني"، معتبرًا أن "أي خطة لنزع سلاحها بالقوة ستفشل لأن حماس تمثل جزءًا من البنية المجتمعية والسياسية في غزة".

وأضاف: "ما يُتداول عن استعداد دول عربية أو إسلامية للمشاركة في قوة دولية لمواجهة حماس هو حديث للاستهلاك الإعلامي، إذ لا توجد أي دولة جادة في الدخول في مواجهة عسكرية مع الحركة".

وخلص جرجس إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى إدارة الحرب لا إنهائها، وأن "الضغوط على نتنياهو لن تتجاوز حدود منع الانفجار الكامل، لأن الهدف الحقيقي هو الحفاظ على التهدئة التي تتيح لـ(إسرائيل) البقاء في أجزاء واسعة من القطاع، بينما يجري الحديث عن إعمار وانتقال سياسي تحت المظلة الأمريكية، وفق تعبيره.

المصدر / فلسطين أون لاين